مؤتمر شباب تعز.. بين إرادة التغيير وهجمات التشويه

رقيه عمر دنانه:
مشهد شبابي جديد في تعز
شهدت محافظة تعز لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي بانعقاد “مؤتمر شباب تعز”، كأول تظاهرة شبابية مستقلة تسعى لصياغة مشروع تنموي وطني جامع، ينطلق من هموم الناس وتطلعاتهم بعيدًا عن هيمنة القوى التقليدية ومراكز النفوذ الحزبي.
جاء هذا المؤتمر بعد أكثر من 17 شهرًا من التحضير والعمل المكثف من قبل لجنة شبابية مستقلة، هدفها رسم ملامح دور جديد للشباب في استعادة الدولة وبناء نموذج حقيقي لها في المناطق المحررة، إلا أن هذا الحراك، الذي استقبل باهتمام واسع، لم ينجُ من حملات مضادة وموجات تشويه قادتها أطراف سياسية وسلطوية حاولت إفشاله أو احتوائه.
حملة تحريضية على المؤتمر: لم تكن مفاجئة
خلال فترة التحضير للمؤتمر، تعرضت اللجنة التحضيرية لحملة هجوم كبيرة من قبل أطراف سياسية وإعلامية لم تكن مرتاحة لفكرة المؤتمر. الحملة كانت مركزة على محاولة التشويه وخلق صورة سلبية عن المشاركين والمنظمين، بل وتوجيه اتهامات بوجود أهداف سياسية خفية وراء الحدث.
أكد إبراهيم الجبري رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الشباب أن موقف السلطة المحلية هذا لم يكن مفاجئًا، فهو امتداد لموقفها الرافض لحراك الشباب ضد الفساد “موقف السلطة المحلية كان ارتدادًا لموقف الشباب تجاه الفساد الذي يسيطر على المشهد العام في المحافظة.
الشباب عبّروا عن رفضهم للوضع في تعز، خرجوا إلى الشارع كثيرًا، ومثلوا ضغطًا كبيرًا على السلطة التي تعاملت معهم كخصوم أكثر من كونهم شريحة اجتماعية أرادت تحقيق الرقابة المجتمعية، بعد أن تأثرت حياتهم، كما هو حال باقي الشرائح، بسبب تردي الأوضاع المعيشية نتيجة الفساد.”

كشف الجبري السلطة المحلية في تعز شريكة في التضييق ومحاولة الإجهاض بشكل مباشر في الحملة، إذ استخدمت أدواتها ونفوذها الإعلامي والسياسي لتضخيم الهجوم ومحاولة تقويض المؤتمر قبل أن يصل إلى مخرجاته النهائية،
“السلطة في محافظة تعز هي الأخرى اشتركت في هذه الحملة ومولتها، واستغلت نفوذها وعلاقاتها في تعزيز هذه الحملة وتضخيمها إلى حدٍ ما، دفعت بناشطين سواءً على مواقع التواصل الاجتماعي أو ناشطين سياسيين ليكونوا جزءًا من هذا التوجه بغرض إفشال المؤتمر.”
مكين العوجري، رئيس صحفية “صوت الشباب” أشار إلى أن الحملة التحريضية لم تكن مفاجئة بالنسبة له، حيث أوضح أن الشباب الذين نظموا هذا المؤتمر هم مجموعة ذات خبرة طويلة في العمل المجتمعي، بعيدًا عن الأحزاب والسلطات المحلية، مما جعل البعض يشعر بالتهديد “الكل تابع الحملة التحريضية التي استهدفت فكرة المؤتمر، وهي فكرة قادها مجموعة من الشباب الذين عملوا لسنوات طويلة بين الناس واشتغلوا على قضاياهم. لم تأتِ هذه الفكرة من سلطة محلية أو أحزاب، بل من مجموعة من الشباب الذين يعيشون الواقع. وقد شكل ذلك مصدر قلق لبعض الجهات التي بدأت تسعى لإفشال الفكرة التي يمكن أن تكون منافسة.”

الابتزاز السياسي: أحزاب ومصالح
لم تقتصر محاولات التشويه على الإعلام فقط، بل تعدتها إلى ضغوطات سياسية مارسها بعض الأطراف الحزبية التي سعت للاستفادة من المؤتمر بما يخدم مصالحها.
أفاد الجبري أن هناك حملة منظمة قادتها الأحزاب والسلطة لمحاولة الوصاية على الشباب وأن المؤتمر تعرض لحملة ممنهجة من التضليل والتشويه، كانت تقودها بشكل رئيسي أحزاب سياسية في محافظة تعز، وشاركت فيها أطراف من السلطة المحلية، في محاولة فاشلة – كما قال – لفرض وصايتها على المشروع الشبابي المستقل.
وأوضح الجبري أن هذه الأحزاب فشلت في تحقيق هدفها، وانحرفت عن المسار الذي رسمه المؤتمر لنفسه، ولجأت بعد ذلك إلى حملة تشويه مضللة “الأحزاب فشلت في تحقيق هدفها، وانحرفت عن مسارها الذي وضعه لها المؤتمر، وبالتالي تبنت حملة مضللة ضد مؤتمر الشباب بغرض ابتزازه وفرض نفسها ووصايتها عليه، سواءً عبر مواقفها التي اعتبرها الشباب محاولة لإفشال المؤتمر، أو من خلال ضخ المعلومات المضللة للرأي العام عبر ناشطيها وأيضًا صفحات وهمية.”

وصرّح الجبري أن المؤتمر ليس تكتلًا سياسيًا أو تظاهرة حزبية، بل مبادرة شبابية جامعة تسعى لخلق فضاء مشترك للشباب بمختلف توجهاتهم “مؤتمر الشباب هو في الواقع مبادرة شبابية تهدف لتوفير أرضية مشتركة للشباب بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم السياسية، ولإيصال أصواتهم، ولتحقيق دورهم في الشراكة السياسية. وكان مطلب المؤتمر من الأحزاب أن تقدم تصورها عبر شبابها كشباب لا كأحزاب لديها معادلات تتخطى الشباب ورؤاهم.”
استهداف ممنهج للنساء المشاركات: تحريض وتشهير وحسابات وهمية
وفي جانب آخر بالغ الخطورة، كشف الجبري أن النساء والشابات المشاركات في المؤتمر كن هدفًا مباشرًا لحملة تحريض وتشويه وصلت إلى حدود التشهير ونشر الصور بطريقة مسيئة “تعرضت النساء والشابات المشاركات في المؤتمر لحملة تحريض خبيثة، حتى أن البعض تعرضن للتشهير على مواقع التواصل الاجتماعي ،حُرّفت الكثير من الحقائق، وذهب البعض لنشر صور المشاركات بصورة مسيئة تعرضهم للمساءلة القانونية.”
وأوضح الجبري أن اللجنة القانونية في المؤتمر باشرت منذ اليوم الأول بعمليات رصد وتتبع قانوني للمخالفات “لدينا وحدة قانونية معنية بالشؤون القانونية، عملنا منذ اليوم الأول للحملة على رصد وتتبع التدوينات التي استهدفت المشاركات والضيوف، رصدنا عددًا من المنشورات التي تُصنف ضمن التحريض ضد النساء، وتعمل وحدتنا القانونية على متابعة مصادرها.”
كما أشار إلى أن معظم الحملات التي استهدفت النساء كانت مدارة من حسابات وهمية، يجري الآن تتبعها تمهيدًا للمقاضاة “بشكل أو بآخر، الحملة التي تعرضت لها النساء، خصوصًا التدوينات المسيئة والتي اعتمدت على نشر صورهن مع أوصاف مخلة، كانت معظمها من حسابات وهمية، رصدنا عددًا منها، ونحاول التعرف على الأشخاص المسؤولين عن إدارة هذه الحسابات لمقاضاتهم عبر الجهات المختصة.”
نحو تجربة شبابية متحررة من الحسابات الحزبية..
حرصت اللجنة التحضيرية على تمثيل مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية من الشباب، لكنها رفضت رفضًا قاطعًا أية محاولات لتحويل المؤتمر إلى ساحة للصراعات الحزبية أو لاستعراض النفوذ وعملت منذ اليوم الأول مع شباب من انتماءات حزبية متعددة، وكان القاسم المشترك بيننا هو العمل لأجل إنجاز تجربة شبابية جديدة… لكن البعض رأى في المؤتمر مساحة ينقل إليها صراعاته، وهو ما تم تجاوزه
وبحسب وجدي السالمي، فإن هذا الموقف لم يكن سهلًا، بل كلّف اللجنة أشهرًا من الإعداد الذاتي وتمويل الفعاليات بالموارد المحدودة “رفضنا أي تمويل مشروط، ولم نتلق أي دعم من الرئاسة أو الحكومة أو السلطة المحلية، بل فقط دعم بسيط من ثلاث جهات أعلنا عنها صراحة، بعد اشتراط عدم وجود أي توجيهات أو تدخل في أعمال المؤتمر.”

وداد البدوي: حملة التشهير تكشف ذهنية متطرفة
قالت الناشطة الحقوقية وداد البدوي إن الحملة التي استهدفت النساء المشاركات في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شباب تعز تأتي في سياق تحريض ممنهج تقوده جماعات دينية متطرفة لا تقبل بوجود المرأة في المجال العام، وتسعى لفرض خطاب رجعي يتنافى مع تاريخ المدينة وهويتها المدنية ،وأن الهجوم ركّز بشكل أساسي على شكل المشارِكات وطريقة لبسهن، دون أي نقاش حقيقي حول أجندة المؤتمر أو مضمونه، معتبرة أن هذا النمط من التشهير لا يعكس سوى رفض لفكرة حضور المرأة بشكل لائق وفاعل في الفعاليات العامة.
وأشارت إلى أن بعض التيارات المتشددة داخل تعز، والتي ترتبط سياسيًا بحزب التجمع اليمني للإصلاح، استغلت الصور التي التُقطت خلال الجلسة الافتتاحية لتأليب الرأي العام ضد المؤتمر وضد المشارِكات، رغم أن معظم الصور التي اُستهدفت لم تكن من جلسات النقاش الفعلية، بل من حفل الافتتاح الذي حضره ضيوف شرف من مختلف الفئات والمؤسسات.
وقالت البدوي: “هناك تيار متطرف يدير المشهد في تعز اليوم، ولديه أدوات إعلامية ومنابر دينية توفر له مساحة للهجوم على المرأة والمجتمع المدني، وهو تيار يسير على ذات النهج الذي تحاول جماعة الحوثي فرضه في صنعاء، عبر محاربة النساء والتضييق على مشاركتهن في الحياة العامة.”
ولفتت إلى أن تعز كانت – وما زالت – منبعًا للحراك المدني ورافعة للنماذج النسوية والقيادات المجتمعية منذ قيام الثورة اليمنية عام 1962، لكنها اليوم تواجه حملة تشويه من الداخل تهدف لإفراغ المدينة من صورتها المدنية واستبدالها بصورة متطرفة تُنفّر المؤسسات والشركاء المحليين والدوليين من دعمها.
وفيما يتعلق بمضمون المؤتمر، أوضحت البدوي أن الفعالية صُممت لاستيعاب عدد محدود من شباب المدينة، وقد تم فتح باب التسجيل العلني عبر استمارات تم الإعلان عنها سابقًا، لكن النقد الذي وُجّه للمؤتمر لم يكن مبنيًا على تقييم لمضمونه أو لمخرجاته، بل انصبّ على صور الحضور وعلى تفاصيل سطحية لا تعني شيئًا في سياق العمل الوطني.
وأضافت: “للأسف، بعض المنتقدين لم يميزوا حتى بين الجلسة الافتتاحية التي يحضرها ضيوف شرف، وبين جلسات المؤتمر التي خُصصت للشباب. النقد كان سطحيًا وعدائيًا، يعكس عقلية الإقصاء والرفض لأي مشهد حضاري في تعز.”
وانتقدت البدوي من وصفتهم بـ”نقّاد الفيسبوك”، الذين لا يرون سوى النصف الفارغ من الكوب، ولا يقدّرون أي جهد مدني أو شبابي يُبذل في سبيل التغيير، مضيفة: “من السهل الجلوس خلف شاشة الهاتف واتهام الآخرين، لكن الأصعب هو أن تبادر وتصنع فرقًا، أن تؤسس فعالية، أو تقدم حلاً.”
واختتمت تصريحها بالقول: “نحن في بلد بلا مؤسسات وبلا دولة. وأي جهد يُبذل لإيصال صوت الشباب أو النساء أو المجتمع يجب دعمه لا محاربته ،من يرفض ما يُقدم، فليقدم بديلاً ،أما أن ننتقد كل مبادرة دون تقديم أي مساهمة إيجابية، فهذا ما يكرّس السلبية التي نخسر بها تعز، ووجهها المدني المنفتح.”
بأفاق جديدة …مؤتمر شباب تعز
لقد أثبت مؤتمر شباب تعز أن المبادرات النابعة من الواقع، والمؤمنة بالفعل لا الشعارات، قادرة على الصمود أمام محاولات التشويه والتقويض، بل وتحويلها إلى وقود للاستمرار ،ورغم الأخطاء والقصور – التي اعترف بها القائمون على المؤتمر بكل شجاعة – فإن التجربة تفتح أفقًا جديدًا أمام الفعل الشبابي الجاد والمستقل، بعيدًا عن هيمنة القوى التقليدية ومزايداتها المستهلكة.
برغم الصعوبات، أكّد مؤتمر الشباب في تعز أنه نقطة تحول جديدة في الواقع السياسي والاجتماعي في المحافظة، المؤتمر شكل منصة شبابية جديدة تدعو للتغيير، مستفيدة من دروس الماضي ومتطلعة لمستقبل يعكس طموحات شباب تعز في جميع المجالات.